Posted by: motagally | جوان 6, 2015

دجاج المارنجو

358218_gif

 

هواية الدراجات النارية من الهوايات المميزة جدا التي تتطلب مهارات خاصة ومعلومات وتدريبات دورية قد تصل ألي حد الجنون أحيانا.
راكبي الدراجات النارية علي أنواع متعددة فمنهم النوع الهادئ الذي يستمتع بالقيادة في الهواء الطلق بسرعات عاديه وسط المروج والغابات راكبا دراجة كبيرة مريحة ومنهم المتسابقين في حلبات السباق بسرعات خرافية راكبين صواريخ بكل معني الكلمة, مقوسين الظهر يصارعون جزء من الثانية يوميا في تدريبات عنيفة.
انا وأصدقائي نقع في وسط الرسم البياني فنحن لسنا متسابقين باي شكل من الاشكال ولا نمتلك هذه الصواريخ الرهيبة ولسنا من الهادئين الجالسين علي دراجات كبيرة مريحة…..نحن في الوسط.
تقابلنا مع أصدقاء آخرين من نفس النوع وقررنا ان نسافر في رحلة تدريبية ترفيهية بالدراجات النارية. الغريب أننا كان عندنا شوق أن نري ونجرب حلبات السباق في حب استطلاع لهذا العالم الغريب دون ان نتسابق مع أحد ولا ندخل هذا المعترك.
قررنا البحث عن شركات تقوم بالتدريبات في معترك حلبات السبق ووجدنا الكثير والكثير. الاختيار كان صعب لدخول عوامل اخري كثيرة. المكان يجب ان يتضمن مكان للإقامة يكون مخصص لراكبي الموتوسيكل بمساحات خارجية كبيرة لسياراتنا ودراجاتنا والملابس الجلدية وطرق تنشيفها في حاله هطول الامطار ويكون قريب ومناسب لطبيعة التدريب وهكذا. ورسي العزم علي مركز هوندا التدريبي في برشلونة بعد بحث كثير. وجدنا هوتيل ريفي صغير بسيط في وسط الحقول يبعد قليلا عن مركز التدريب ولكن به كل ما نريد والعرض كان شامل الإقامة والاكل.
وصلنا الهوتيل في وسط المزارع بعد ساعات طويلة من القيادة بسيارة تجر مقطورة صغيرة محمل عليها دراجاتنا النارية والحقيقة لا موقع ولا شكل الهوتيل كان يبشر بخدمة خمس نجوم ونحن نعرف ذلك جيدا ونتوقعه.
فتحنا الباب الخشبي الكبير ذو الصرير وبحثنا عن مكتب الاستقبال فوجدنا مكتب صغير عليه بعض الأوراق وكمبيوتر قديم وفجأة جاءت امراه ترتدي مريلة طهي الطعام بيدها ملعقة خشبية كبيرة, في الاربعينات من عمرها وابتسمت لنا ابتسامة عريضة (من النوع الفلاحي) وبادرتنا بالقول بدون تردد: انتوا بتوع الموتوسيكلات؟ برووووم بروووم
رغم التعب والارهاق لم نتمالك نفسنا من الابتسام والبهجة لهذا الاستقبال الغير متوقع
بسرعة غريبة كانت المرأة أحضرت مفاتيح الغرف وكتبت الأسماء وأحضرت ملايات السرير والبطاطين والمناشف ولوازم الغرف وقالت تفضلوا معي.
الحقيقة لم نعتاد في أي هوتيل ان موظف الاستقبال يأخذنا معه للغرف ولكن بات واضحا اننا لسنا في هوتيل بالمعني المفهوم بل مكان عائلي بسيط.
ونحن في طريقنا للخارج للبحث عن الغرف في مبني آخر قريب دخل شخص آخر مكتب الاستقبال وقالت المرأة شيء للرجل لم افهم معناه غالبا انت بتاع العربيات او انت بتاع الطيارات لم أفهم جيدا ولكن بنفس الابتسامة العريضة جعلت الرجل يضحك ويبتهج بعد ان كان متجهما. قالت له من فضلك انتظر قليلا فلم يعترض اطلاقا مواصلا الابتسام في سعادة.
المرأة اخذت كل منا لغرفته وتأكدت ان كل شيء علي ما يرام وقالت لنا العشاء بعد ساعه بالضبط لا تتأخروا بنفس الضحكة الجميلة.
رغم بساطة الغرفة الشديدة الا انها كانت دافئة ونظيفة وبعد حمام دافئ وقسط من الراحة خرجنا لتناول العشاء.
وهنا بدأت المفاجآت…..هذا المكان الهادئ البسيط الذي توقعنا انه منزل عائلي وجدنا بجانب مكتب الاستقبال صاله طعام متوسطة تعج بالزوار من كل الاعمار أقدر عددهم بحوالي ستين او سبعين وأن هذا الهوتيل العائلي عباره عن عده منازل في الحقول متجاورة.
جلسنا علي طاوله بسيطة أنيقة في انتظار وصول الطعام وبعد دقائق ظهرت نفس السيدة وقالت تفضلوا الطعام جاهز فوقفنا في طابور وجاءت المفاجئة الثانية ان كل زائر يدخل بنفسه يأخذ ما يريد بالكمية التي تناسبه وكان الطعام شكله شهي جدا عباره عن دجاج بعيش الغراب وأنواع من الفلفل الأخضر والاحمر و الأصفر معهم بطاطس صغيره الحجم جدا وفي الخارج كان هناك بوفيه سلطات تأخذ ما تريد وخبز طازج بنار الفرن وزبده بلدي.
جلسنا وبدانا الاكل بشهية واستمتاع بهذا الجو الرائع وبعد خمس دقائق بالضبط ظهرت السيدة العجيبة مره أخري وقالت بصوت عالي لا يخلو من المرح أرجوكم اريد ان أتكلم دقيقة واحدة هل تسمحوا لي؟
قلنا بالطبع وتوقف الجميع عن الاكل منتظرين باهتمام ما تريد أن تقول هذه السيدة اللطيفة,
– اولا أريد ان ارحب بكم في هوتيل البانجينو في أعماق الريف وانا سعيدة جدا بوجودكم هنا…..هذا الهوتيل أرثه عن ابي, وابي عن جدي, هنا نتميز بالشعور العائلي والدفء وانا أسمي ماري وسوف أقوم علي خدمتكم طوال فتره اقامتكم هنا
بلباقة وأسلوب رائع قامت المرأة بإعطائنا معلومات تاريخية عن الهوتيل ونشأته وتاريخ المنطقة وعرفنا فيما بعد ان هذه السيدة الحديدية تقوم بكل اعمال المطبخ و استقبال الزوار والاعمال المكتبية والحسابات وزوجها يقوم بالاهتمام بالحيوانات والدواجن والزراعة في اكتفاء ذاتي عجيب وأن عندهم أربع أبناء يساعدوهم في العمل بعد المدرسة وفي العطلات.
وسالتنا سؤال غريب فجأة هل تعرفون اسم الاكلة التي تأكلونها فقلنا انها دجاج بالخضروات فقالت ان لها اسم Chicken Marengo
نسبة الي نابليون عندما أكل فروج في بلدة مارنجو الإيطالية واستخدم الطباخين ما توافر لديهم من فطر وخضار مع الفروج وقد حازت الأكلة علي اعجاب نابليون وطلبها فيما بعد واطلق عليها فروج المارنجو.
اختلست النظر للزوار فوجدت الجميع يستمع باهتمام رغم الجوع والرغبة في الاكل الا ان أسلوب المرأة كان جذابا فعلا بكاريزما عالية
عرفنا بعد ذلك ان هذا الهوتيل كان محكوم عليه بالإفلاس بعد وفاة الاب وبسبب موقعه بعيدا عن العمران الا ان هذه السيدة العنيدة عملت معجزة واصبح الهوتيل مربح ودائما الحجز مسبقا للحصول علي غرفة
قضينا ليلة هادئة ونمنا بعمق للاستيقاظ مبكرا لبدء التدريبات ووصلنا بالكاد في الموعد المحدد وارتدينا ملابس القتال وتم الترحيب بنا من قبل المدربين المسئولين عنا وبدانا اول جولة في حلبة السباق وهنا اكتشفنا ان الموضوع كبير جدا واكبر مما كنا نتخيل… المعدات بالملايين…الموتوسيكلات علي تقنية عالية وكل شيء محسوب بدقه حتي درجة حراره الكاوتش ودرجه حرارة الاسفلت. سيارات الإسعاف والإنقاذ علي جانبي الطريق. مليميتر هواء زياده او نقصان في الكاوتش قد يؤدي الي الموت.
قيادة دراجة نارية بسرعه عالية في حلبه السباق يتطلب مهارات خاصة لأشخاص غير عاديين وقضينا اليوم الأول كله في محاولة للفهم والاستيعاب و نشكر الله ان المشاركين كلهم في هذا التدريب علي نفس المستوي ولا أعرف كيف توفق المسئولين علي جمع جروب كامل في نفس المستوي ….هل هو الحظ ام انهم علي خبرة عالية يعرفون السائق بمجرد النظر في عينيه.
في أوقات الراحة كنا نتفرج علي المجموعات الأخرى عالية المستوي ونضرب كف علي كف من الاعجاب والانبهار بقدراتهم ومهارتهم العالية علي التحكم في كل ملليمتر وكل جزء من الثانية.
من الحين للأخر نسمع صوت الإسعاف والمسئولين يهرعون للحلبة لإنقاذ سائق طار في الهواء وطارت دراجته النارية مئات الأمتار كما كنا نشاهد في التلفزيون…..المسئولين عن الإنقاذ يتحركون بتلقائية عاديه وهم يتكلمون بهدوء وكانه شيء عادي جدا معتادين عليه والاسعاف دائما تعرف كيف تنطلق بسرعه في اتجاه المصاب وترتفع الاعلام الحمراء حتي ينتبه المتسابقين لوقوع حادث
عدد حالات الإنقاذ في اليوم الواحد حوالي عشر حالات ما بين كسر حوض لكسر قدم وفي حالات نادرة كسر رقبه. في مجموعاتنا لم يحدث ولا حادث واحد الحمد لله يمكن لأننا ما زلنا عاقلين لم نصل للجنون بعد.
انتهي اليوم الأول وعدنا للهوتيل في قمه الإرهاق وياسبحان الله عندما نتقابل مع ماري الحديدية ننسي التعب ونبتسم ردا علي ابتسامتها الدائمة.
انا معتاد علي الاستيقاظ مبكرا وذهبت للفطار في اليوم الثاني قبل الجميع وكالعادة ماري الحديدية في صاله الطعام في السادسة صباحا
متي تنام هذه السيدة ومتي تستيقظ؟ ومتي خبزت ومتي سلقت كل هذا البيض؟
جلست مع كوب من عصير البرتقال الطازج وبيض مسلوق وعندما كسرت اول بيضة وجدتها نيئة (غير مسلوقة) فذهب لماري وقلت لها عفوا سيدتي واضح ان هناك سوء تفاهم فانا اريد بيض مسلوق من فضلك. وجدت السيدة تغير لون وجهها فورا وقالت كيف ذلك ان هذا البيض كله مسلوق واخدت بيضة تلو الأخرى تكسرها ووجدته كله غير مسلوق وجن جنونها ولكنها لم تفقد الابتسامة ولا الهدوء النفسي المذهل ابدا وفهمت منها ان هناك شخص باع لهم ماكينة تسلق البيض حتي توفر قليلا من الوقت وانها دائما كانت تفضل الطريقة التقليدية في سلق البيض في الماء مثل اجدادها…..قالت لي اتفضل أجلس وسوف احضر لك بيض لا تقلق
قلت لها ليس هناك أي مشكله علي الاطلاق لا تتعبي نفسك هناك العشرات من الاجبان واللحوم لا تقلقي وجلست مره اخري مع الخبز الطازج والجبن والسلامي. لم تمر دقائق الا والسيدة جاءت بطبق انيق جدا فيه أنواع من البيض المسلوق والمقلي وقالت لي تفضل ونحن اسفون جدا علي ما حدث. الحقيقة انا لم أتوقع ابدا هذا الحس العالي والخدمة الغريبة في منزل ريفي بسيط وتأثرت جدا وشكرتها بحرارة.
استمرت هذه السيدة تأتي الي كل وجبه طعام وتسالني بشكل خاص أن كان الطعام جيد وأن كنت راضي عن الوجبة لدرجه اني أصبحت محرج جدا من هذا التميز وهذه الخدمة كل ده عشان بيضة مسلوقة يعني مش كده يامدام. عندما قلت لها لا تقلقي انا راضي جدا جدا فقالت الحقيقة انت عملت لي خدمة لأنها رجعت ماكينة سلق البيض ورجعت تسلق بالطريقة التقليدية فانا كنت السبب.
اليوم الثاني في التدريب هطلت الامطار بشكل مرعب وقلنا اكيد التدريب سيلغي الا ان المدربين فاجئونا بضحكة خبيثة ان هذا افضل وقت للتدريب علي القيادة السريعة في الماء. الحقيقة كنا نرتجف من الخوف وعدد من الأشخاص رفضوا التدريب ورجعوا الهوتيل اما نحن فقلنا جئنا للتدريب فهيا للتدريب بشجاعة ………كنا متخشبين متجمدين من الخوف والبرد والمياه تسللت لداخلنا وهذا يجعل مهارات السائق تقل جدا وكان أهم نقطه في هذا التدريب اننا نسترخي ونتمايل مع الموتوسيكل بشكل عادي جدا دون عمل حساب للأسفلت الغارق بالمياه ولكن مع الاخذ في الاعتبار تخفيض السرعة والاستعداد. والعجب عندما هدئنا واسترخت عضلاتنا قليلا تعاملنا مع الموقف بشكل افضل بكثير.
العشاء في اليوم الثاني كان لحم المعيز المشوي وطبعا الماعز كان من المزرعة والشواء بجانب المبني وفي اثناء الاكل اخذنا درس التاريخ اليومي وعرفنا نوع الماعز وطريقة الشوي المثالية.

اليوم الثالث حدث تغير كبير في طريقتنا في قياده الموتوسيكل …..لا يوجد مطر ولا يوجد خوف وعرفنا اسرار حلبه السباق ودواخلها فانطلقنا بسرعات غريبة وزوايا لم نكن نتخيل في يوم من الأيام اننا نصل اليها.
اشكر الله ان التدريب كان ثلاثة أيام فقط لأننا لو ذهبنا يوم رابع او خامس لكانت الإسعاف سوف تحضر الينا نحن أيضا بعد ما وصلنا اليه من جراءة وسرعة
ونحن نترك الهوتيل ونسلم المفاتيح شكرت ماري الحديدية بشكل خاص وعبرت لها عن اعجابي الشديد بروح الخدمة والذكاء في معامله الضيوف وان إصرارها في العمل لم أجد له مثيل….احمر وجهها في خجل وتواضع ولمعت عيناها , وبادرتها بالقول لو فكرتي في يوم من الأيام تغيري شغلك اديني تليفون…..فقالت حاولت كثيرا يا سيدي ولكن انا مثل السمك لا يترك الماء ابدا……هذا مكاني ومكان ابي وسيكون مكان اولادي من بعدي….. تكلمت بهدوء وبنفس الضحكة العريضة الفلاحي.

http://en.wikipedia.org/wiki/Chicken_Marengo

 

 


أضف تعليق

التصنيفات